ورش عمل

الدراسات المستقبلية ومشروع 2020

أ.د. إبراهيم العيسوي

عقدت الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ورشة عمل بمقر الجمعية بمقرها المركزي بتاريخ 6/نوفمبر/2008 حول موضوع ” الدراسات المستقبلية ومشرةع مصر 2020″ وفيما يلي أهم الافكار التي قدمها الاستاذ الدكتور/ إبراهيم العيسوي حول هذا الموضوع:

إذا أردنا أن نشارك بفاعلية فى صنع مستقبلنا ، علينا أن نمتلك الخريطة الواضحة لهذا العالم الجديد ، وأن نمتلك البوصلة التى نهتدى بها فى التعرف على الطريق الى المستقبل الذى نريده – وهو ما يفترض ضمناً تحديد ملامح هذا المستقبل المرغوب فيه من جانبنا 0
وهنا يصبح السؤال : وما الطريق إلى امتلاك تلك الخريطة وتلك البوصلة ، وما السبيل إلى اختيار الطريق الذى يفضى إلى المستقبل الذى نطمح إليه ، وكيف يمكن اكتشاف ملامح هذا المستقبل المنشود . والجواب عن كل هذه الأسئلة يكمن فى عبارة واحدة : الدراسات المستقبلية ، أو بحوث استشراف المستقبل .
ويمكن القول بصفة عامة أن غاية الدراسة المستقبلية هو توفير إطار زمنى طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات اليوم، وبالتالي تساعدنا علي صنع مستقبل افضل.

مشروع مصر 2020

انطلقت المبادرة من منتدى العالم الثالث – مكتب الشرق الأوسط بالقاهرة من خلال دعوة وجهها صاحب المبادرة العالم الكبير والمفكر المبدع د . إسماعيل صبرى عبد الله إلى مجموعة صغيرة من المفكرين المصريين متنوعى التخصصات والتوجهات السياسية للالتقاء فى شهر سبتمبر 1995 حول مائدة مستديرة للتداول فى مدى حاجة مصر إلى دراسة مستقبلية تستطلع آفاق التنمية الشاملة فيها حتى عام 2020 . وقد أسفر النقاش فى هذه المائدة المستديرة عن تأييد كامل لفكرة الدراسة ولأهمية صياغة مشروع متكامل حول مستقبل مصر فى عام 2020 . كما أبرزت المداولات عدداً من التوجهات العامة والقضايا الرئيسية المرغوب فى مراعاتها عند تصميم المشروع .

أهداف المشروع

وقد سعى مشروع مصر 2020 إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية :
(1) صياغة عدد من السيناريوهات، أى التصورات المستقبلية البديلة لحركة المجتمع المصرى فى مختلف المجالات ، وبيان حالة الإنسان والمجتمع المصرى فى عام 2020 ، مع تحديد ما ينطوى عليه كل مسار مستقبلى من مزايا وأعباء.
(2) بلورة منهج جديد فى إدارة شئون المجتمع والدولة ، وذلك بتوفير أدوات علمية لمتخذ القرار تمكنه من تأسيس عمليات اتخاذ القرار على ركائز متينة من المعرفة بالواقع واستشراف المستقبل .
(3) تنمية رأى عام مهتم بالمستقبل ، شغوف بالتعرف على ما قد تحمله المستقبلات البديلة من فرص ومخاطر ، ومتحفز لمواجهة التحديات المستقبلية مواجهة مستنيرة .

نطاق البحث
بدأت دراسة المستقبلات المصرية البديلة حتى عام 2020 بقراءة – أو بالأحرى إعادة قراءة – للتطورات فى شتى المجالات عبر ربع قرن مضى ، وذلك بقصد التعرف على الاتجاهات العامة السائدة ، وكذلك الاتجاهات العامة الجديدة والمضادة . ثم استطلاع للتطورات المرتقبة على مدى العقدين الأول والثانى فى إطار عدد من السيناريوهات البديلة .
وعملت الدراسة على أن تعطى اثنى عشر مجالاً بحثياً ، بيانها كالتالى :

(1) البيئة والسكان
(2) الغذاء والزراعة
(3) التصنيع والمصنوعات
(4) الإسكان والمستوطنات البشرية
(5) النقل والاتصال
(6) التعليم والبحث العلمى والتكنولوجى
(7) القطاع المالى
(8) المعاملات الخارجية
(9) الحكم أو إدارة شئون المجتمع والدولة (governance)
(10) الثقافة والإعلام
(11) المجتمع.
(12) التكامل الإقليمى والأوضاع العالمية
وانطلاقاً من هذا التحديد للمجالات البحثية الكبرى ، عكف الفريق المركزى للمشروع فى المرحلة الأولى لعمله على تحديد ما ينطوى عليه كل مجال من هذه المجالات من قضايا جديرة بالبحث والدرس . كما قام بتوزيع التكليفات بشأنها على فرق بحثية يتم التعاقد معها على إجراء بحوث معينة ، وعلى الفريق المركزى ، وعلى وحدة الحساب العلمى والنمذجة التى أنشأها المشروع كذراع فنى له . وصدرت كراسة تحتوى على خطة الدراسات بناء على ذلك.

السيناريوهـات
وقد وقع الاختيار على خمسة سيناريوهات ، نذكرها بإيجاز فيما يلى :
1 – السيناريو الأول : هو ما أسميناه ” السيناريو المرجعى ” أو الاتجاهى ، الذى يعبر عما قد تؤول إليه الأوضاع على امتداد العشرين سنة القادمة ، إذا ما استمر المنطق الحالى فى التعامل مع مشكلات مصر ، وليس بالضرورة استمرار نفس الحكام أو نفس السياسات التفصيلية .
2 – السيناريو الثانى يطرح رؤية القوى المجتمعية والسياسية التى ترى أن المستقبل الأفضل لمصر إنما يبدأ بقيام نظام حكم إسلامى ، يترجم أحكام الكتاب والسنة إلى سياسات للتنمية والتعامل مع الآخر، تحفظ لمصر هويتها الإسلامية المتميزة . وقد أطلقنا على هذا السيناريو سيناريو ” الدولة الإسلامية ” .
3 – السيناريو الثالث يطرح رؤية الجماعات ذات التوجه الرأسمالى الليبرالى ، التى ترى أن مستقبل مصر والسبيل لبقائها على خريطة العالم بفعالية فى العالم الجديد القائم على التنافسية والداروينية الاجتماعية هو فى اتباع نظام رأسمالى أكثر رشداً وعقلانية وانتفاعاً بالعلم من الرأسمالية المشوهة القائمة حالياً ( فى رأيهم ) . وقد أطلقنا على هذا السيناريو سيناريو ” الرأسمالية الجديدة “.
4 – السيناريو الرابع يطرح رؤية الجماعات ذات التوجه الاشتراكى ، التى تعتقد أن الاشتراكية لم تنته بسقوط الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية فى شرق أوروبا ، وأن الاشتراكية قابلة للنجاح إذا ما تم الاستفادة من الدروس والعبر التى حفلت بها التجارب السابقة للتطبيق الاشتراكى فى العالم كله؛ وهو ما يبرز ضرورة الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية ورفض المقايضة بين الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية . وهذا هو سيناريو ” الاشتراكية الجديدة ” .
5 – السيناريو الخامس، والأخير، هو السيناريو الذى يعبر عن وجهة نظر قوى مختلفة فى المجتمع المصرى، ترى أن السبيل الأفضل للتقدم هو الوفاق الوطنى والتراضى على حل وسط ، يوفق بين رغبات الأطراف المختلفة للعمل الوطنى . وهذا هو سيناريو ” التآزر الاجتماعى” أو ” السيناريو الشعبى ” .

هذه هى السيناريوهات الخمسة التى وقع اختيارنا عليها بعد جهــود مضنية فى الدرس والبحث . وإننا ندرك أنه كان من الممكن الانطلاق من منطلقات أخرى بديلة فى اختيار السيناريوهات . وبالطبع فإن هذا الاختيار لا يغلق باب الاجتهاد أمام تجربة سيناريوهات أخرى 0

الصعوبات التي واجهت العمل في المشروع

من أهم هذه المصاعب التى واجهت – ولم تزل تواجه – الدراسات المستقبلية فى مصر وغيرها من الدول العربية والدول النامية ، يمكن أن نذكر التالى :
1 – المصاعب المنهجية . فالسمات المرغوب توافرها فى منهجية البحث المستقبلى ليس من اليسير تحقيقها ، خاصة فى ظل الأوضاع غير المواتية للبحث العلمى فى بلادنا، وما تؤدى إليه من تشتيت للطاقات ، وبعثرة للجهود فيما لا طائل وراءه . والنهوض بالدراسات المستقبلية على نحو جاد فى مثل هذه الظروف يتطلب الكثير من الوقت والكثير من المال ، والكثير من العناصر البشرية ذات التأهيل العلمى المرتفع . ومعنى ذلك أن الدراسات المستقبلية دراسات مكلفة ولا يتوقع إنجازها فى فترات قصيرة فى بلادنا .
2 – المصاعب المعلوماتية . فقواعد المعلومات هشة للغاية ، وتعانى الكثير من الفجوات والتناقضات فى معظم الأحيان .
3 – المصاعب الثقافية . ونقصد بها غياب الثقافة المستقبلية فى المجتمع ، وغياب عادة التفكير المستقبلى لدى الكثيرين ، وتجذر الفكر الماضوى والنزعات السلفية ( ولا نقصد بها السلفية الدينية وحدها ) .
4 – مصاعب المناخ العام .فالمناخ السائد يشجع على السلبية والتواكل على الكبار ، والاستسلام للعولمة ، كما أنه يشجع على تكريس التبعية الثقافية . وفى مناخ كهذا تهدر الإرادة الذاتية وتضعف الثقة بالنفس . وليس فى ذلك بالطبع ما يحرض على التفكير الإيجابى فى صنع المستقبل ، ناهيك عن القيام بدراسات مستقبلية جادة ، إلا للقلة القليلة التى اعتادت الإبحار ضد التيار مهما كلفها ذلك من مشاق .
5 – المصاعب الإجرائية . ومن خبرتنا فى مشروع مصر 2020 ، يمكن أن نرصد ثلاثة مصاعب مهمة تدفع فى اتجاه إطالة فترة تخطيط وتنفيذ الدراسات المستقبلية وخفض مستوى أدائها :

( أ ) طول فترة البحث عن مشرفين للدراسات ، ثم طول فترة إعدادهم لخطط إجرائية للدراسات .

(ب) عدم التزام معظم المتعاقدين بالجداول الزمنية لتنفيذ الدراسات المتفق عليها فى التعاقدات .

(جـ) عدم التزام كثير من المتعاقدين بخطط البحث المتفق عليهما معهم .

( د ) أن العمل بروح الفريق كان غائبا فى كثير من الحالات .

6- المصاعب المالية . و أسباب ارتفاع التكلفة متعددة نذكر منها : ( أ ) اتساع نطاق البحث وتعدد التخصصات فيه . وهو ما يؤدى إلى حجم كبير يتطلب
إنجاز قوى عمل كثيرة العدد ؛ ( ب) تعقد منهجية البحث فى المستقبل ، مما يستلزم توافر خبرات بشرية على مستوى عال . وهذه نادرة، وكثيراً ما يتطلب اجتذابها توفير حوافز مالية مرتفعة ؛ ( ج ) احتياج الدراسات المستقبلية إلى خدمات وتسهيلات علمية كثيرة مثل المعلومات والحاسبات والبرمجيات ، والندوات وورشات العمل ، والاستشارات والمقابلات ، والتصوير والطباعة والمراسلات وتوزيع المطبوعات. وهذه أيضاً من الأمور التى تستنفد نسبة عالية من الموارد المالية .

وبصفة عامة فإن هذه الصعوبات تفسر جانباً من قلة الإقبال على الدراسات المستقبلية فى بلادنا ، وندرتها. ولا عجب أن ما أجرى فى السابق من دراسات مستقبلية كبيرة فى مصر قد تم بمبادرات أجنبية ، دون حماس يستحق الذكر من جانب أهل الحكم . فالحكومات فى بلادنا لا تتحمس عادة لدعم الدراسات المستقبلية ، ليس فقط لما تحتاجه من مال كثير قد ترى أن من الصعب تدبيره ولما تتطلبه من وقت طويل قد ترى أنه من غير العملى الصبر عليه ، بل وكذلك لأنها تعتقد أن ما تقوم به هو الأفضل ، ومن ثم فلا معنى للبحث فى بدائل أخرى تطرحها قوى اجتماعية وسياسية منافسة أو معارضة . كما أن الأفق الزمنى للحكومات فى بلادنا محدود ، ومن ثم فالخوض فى أمور المدى البعيد ليس مما يستثير حماسها . وبالطبع لكل قاعدة عامة استثناءاتها . وربما كان مشروع مصر 2020 واحداً من تلك الاستثناءات القليلة التى يمكن إرجاعها إلى ظروف وملابسات خاصة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى